حديث “إن المرأة خُلقت من ضِلَع”
رُوي هذا الحديث من رواية أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما:
* ـ فأما حديث أبي هريرة فرُوي عنه على وجهين:
ـ أما الوجه الأول فرواه البخاري ومسلم وابن أبي شيبة والنسائي في السنن الكبرى من طريق ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “استوصوا بالنساء، فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء”.
ورواه مسلم وابن حنبل وابن حبان من طرق عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به نحوه. ورواية ابن عيينة هذه لا يُعتبر بها، إذ هي مخالفة لما رواه ثلاثة من أقرانه، كما سيأتي في الفقرة التالية.
ـ وأما الوجه الثاني فرواه البخاري وابن حنبل من ثلاثة طرق عن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج”.
ورواه مسلم وأبو عوانة من ثلاثة طرق عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به نحوه. ورواه ابن راهويه والبزار من طريق راوٍ رابع عن الزهري، فوافقهم في المتن، وخلط في الإسناد.
ورواه ابن حنبل وابن حبان من طريقين عن محمد بن عجلان عن أبيه عجلان مولى فاطمة بنت عتبة عن أبي هريرة به نحوه.
ـ الحديث من الوجه الأول خالف فيه راويه رواية الجماعة في هذا اللفظ “المرأة خُلقت من ضلع”، فهذا الجزء من الحديث معلول، واللفظ الثابت هو الذي رواه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد بن المسيب وعجلان مولى فاطمة بنت عتبة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم “المرأة كالضلع”.
* ـ من روائع الإمام مسلم رحمه الله:
روى مسلم هذا الحديث من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بسند سداسي، ثم من رواية الأعرج عن أبي هريرة بسند خماسي، ثم من رواية أبي حازم عن أبي هريرة بسند سداسي، وفي هذا إشارة واضحة إلى ترجيح رواية سعيد بن المسيب الصحيحة الثابتة بالوجه الأول، وذلك لأمرين:
من عادته أنه يقدم الرواية الصحيحة على التي وقع فيها خلل، وقد قدَّم هنا الرواية الصحيحة، وهي رواية ابن المسيب.
ومن عادته أنه يقدم الرواية التي هي أعلى إسنادا إذا تقاربت الروايات في الصحة، وتقديمه رواية ابن المسيب هنا وهي بسند سداسي على التي هي أعلى منها إسنادا فيه مزيد تأكيد على أن رواية ابن المسيب هي الصحيحة، فرحمه الله رحمة واسعة.
* ـ وأما حديث عائشة فرواه البزار ـ واللفظ له ـ وابن راهويه وابن حنبل من ثلاثة طرق عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مثل المرأة كالضلع إن تقمْه تكسره، وإن تستمتع به تستمتع به وفيه عوج”.
ـ حديث عائشة رضي الله عنها يؤكد أن الحديث الثابت هو بهذا اللفظ، وليس باللفظ المروي في الوجه الأول عن أبي هريرة.
* ـ الخلاصة:
حديث “المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج” حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما رواية “إن المرأة خُلقت من ضلع” فهي ضعيفة غير ثابتة. والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 21/ 9/ 1440، الموافق 26/ 5/ 2019، والحمد لله رب العالمين.